بعيدا عن سخونة الأحداث وبعيدا عن كل ما يدور , هنا أسطر بعض الحروف عن رحلة لطالما أردتها ورغبت بهابعد عامين لم أزر بها القدس قد بلغ الشوق لها مبلغه وأذاب هواها وعشقها الروح شوقا إليها ولزيارتها.
قد شاءت الأقدار أن تأتي بعض النساء في العائلة على ذكر القدس وأن في نيتهن الذهاب للمسجد الأقصى
للصلاة فيه , وبتشجيع منهن اصرين على الذهاب معهن فخالجني الشوق وارتسمت في ذهني الابتسامة بانني واخيرا
سأذهب , وسأرتمي شوقا على عتبات مسجدنا الأسير.
تجهزت وأسرعت خطاي متلهفة لبدء الرحلة التي طالما أردت جلست في السيارة وانطلقت بنا جنوبا نحو القدس , لقد قطعنا طريقنا نشق السهل المكسو بحلة الربيع الخضراء والمزدان بكل الوان الزهر وتفوح في الجو رائحة الارض وهي تعانق السماء مطلقة فوح العطور والزهور,لم يتخلل في الطريق اي حديث يقطع علينا صمتنا المتأمل بجمال بلادنا وروعة خلقه سبحانه , قد كنا جميعا محملات بالذكر والدعاء ,كان جوا صامتا هادئا معبوقا بالروحانيات والاتصال بالله تعالى .حين لاحت القدس من بعيد بجمالها وروعة بنيانها تقيدها تلك المستوطنات كالطوق الذي يلجم الفارس عن الحراك,قد قطع صمتنا صوت النساء اللاتي معي وهن يتذكرن ويعدن ايامهن من الماضي عن أيام الجامعة في القدس
وعن حبهن المكنون فيها وقد جاورنها وسكنّ فيها لينتهلن العلم من جنباتها, بينما كنت اصغي لهن وأنا صامتة اتفحص كل شارع نمر به وكل وجه قد يربطني بالقدس , وقد يحزنني أنني ارى تلك القطعان المفترسة قد طغت برائحتها الكريهة على رائحة المسك المعبوق بين شوارعها القديمة, وأتذكر حينها قصيدة شاعرنا القدير تميم البرغوثي في القدس
وارددها في ذهني وأجد نفسي كأني بين فصولها وبين ابياتها سابحة كأنها تحكي حالي مع هذه المدينة.
وصلنا نحو باب الاسباط هو قريب جدا من المسجد الاقصى وبعيدا عن الاسواق وفوضى المارة بين الاسواق وصوت الباعة التي تنادي وتدلل على بضاعتها, دخلنا وكان الوقت حينها بعد العصر الى ساحات المسجد كانت الساحات خالية الا من بعض الزواركان منظرها جميلا رغم الجو البارد والقارس الذي يكاد يخترق عظامنا , ولكن لهفتي وأشواقي كان مصدر دفء لي شعرت بحب القدس لنا كأنها تحتضنني بين أضلعها وتمسح عن قلبي غبار الهموم والأحزان التي تكدست هناك وتفتح لي ابوابا من الأمل والفرحة والحرية, رغبت في الانطلاق والجري في ساحاتها لكن خجلي منعني من ذلك, ما أعظمها فهي رغم ما بها تعطيك الكثير وتشعرك انك بامان في طياتها وبسكينة بين احضانها , دخلنا المسجد الأقصى وهذه المرة الأولى الي أراه فيها من الداخل كان رحبا جميلا يبعث في روحك السكينة استطعت ان ارى جوانبه من نظرة واحدة , اتخذنا ركنا في الخلف وجلسنا تفرغنا للدعاء والدعاء والدعاء وقراءة القرآن كان جوا ايمانيا رائعا كأننا نعانق بدعائنا السماء وكأن الله يلفنا وقتها برحمته ومغفرته.
هدوء جميل لم ارَ القدس ساكنة من قبل يتخلل ذاك الصمت صوت مقرئ جميل يهتز له اركان المسجد وتخشع له القلوب وتتداخل معه زقزقة العصافير المحلقة داخل المسجد علها تنال من نور ذاك المكان نصيب , أعجبني منظر الطيور وهي تلعب داخل المسجد فكنت اراقبها واسبح الله على نعمته وبركته .
حان آذان المغرب وأقيمت الصلاة وصلينا وقلوبنا قد عمرها الايمان وتجددت عند مسجدنا الروح
انتهت الصلاة فصلينا ما قدرنا الله عليه وانطلقنا للعودة لديارنا تلفت حوالي واسترقت نظرة اخرى وفي عجالة على المكان فلست أدري ان كنت زائرة اياه مرة اخرى او لا وقلبي لا يطاوعني مغادرته.
ليتني قد بقيت فتبقى تلك اللذة وذاك الطعم تسكن روحي.
كانت رحلة أقل ما أقوله انها رحلة لعالم آخر لعالم ملؤه الأيمان والتاريخ وحكايات الألم والصمود
وأراني أقول" في القدس من في القدس إلا أنت"